أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأربعاء، 29 فبراير 2012

شمعة عـمـر ..


  لن أتحدث عن سيرته - رضي الله عنه - الحافلة، ولكن أتطرق إلى جانب بسيط جداً من حياة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، محاولاً الإشارة إلى بعض نقاط في مسائل الحفاظ على المال العام ومنع هدره.

 عمر لم يستمر سوى عامين في الحكم، نظراً لضخامة المسؤولية التي كان يشعر بها في كل لحظاته، رغم أن غيره، سواء من قبله أو بعده، تولى المسؤولية ذاتها، واستمر لسنوات طوال دون أن يشعر بما شعر به عمر..

   لكن كما ذكرت قبل قليل، أود التطرق سريعاً إلى أسلوبه في الإدارة والقيادة، والذي لا أجد ما يمنع مطلقاً  أن يؤخذ به أيامنا هذه كأسلوب إداري في الحفاظ على المال العام. لكن السؤال المهم ها هنا ، إلى أي مدى يمكن تطبيقه، بل مَن عنده القدرة والصبر والهمة والعزيمة على تطبيق أسلوب عمر بن عبدالعزيز في العمل ، الذي هو نسخة من أسلوب جده لأمه ، الفاروق عمر رضي الله عنهما جميعا ؟ فمن منا لا يذكر قصة الخليفة والشمعة ؟ لا شك أنها من تلك القصص التي تخلد في الأذهان من فورها. ولم لا؟ وهي أقرب إلى أن تكون من قصص الخيال مقارنة بمعايير عصرنا الحاضر.
    قيل إن رسولاً قدم على الخليفة عمر بن عبدالعزيز من إحدى المناطق، فلما دخل عليه، دعا عمر بشمعة فأُوقدت، وجعل عمر يسأله عن حال أهل البلد، وكيف الأسعار وأبناء المهاجرين والأنصار، وأبناء السبيل والفقراء وغيرها من أسئلة حول شؤون المسلمين هناك، فأخبره الرسول بجميع ما عَلِمَ من أمر تلك المنطقة، ولما فرغ عمر من مسألته، بدأ الرسول يسأله. يا أمير المؤمنين: كيف حالُك في نفسك وبَدَنك وكيف عيالك؟ ‏فنفخ عمر الشمعة فأطفأها، وطلب سراجه الشخصي، فعجب الرسول لإطفائه الشمعة وقال: ‏يا أمير المؤمنين، فعلتَ أمراً حيّرني! ‏قال: وما هو؟ قال: إطفاؤك الشمعة عند مسألتي إياك عن حالك؟ ‏ فقال عمر: الشمعة التي أطفأتها هي من مال الله ومال المسلمين، وكنت أسألك عن أمرهم وحوائجهم وهي موقدة، فلما صرتَ لشأني وأمر عيالي أطفأتُ نار المسلمين!

  هذا أمر يكاد يكون مستحيلاً في عالم التطبيق الواقعي في عصرنا الحاضر، رغم الحاجة الماسة في كثير من الدول إلى أهمية وضرورة انتهاج بعض ما كان عليه عمر بن عبد العزيز في سبيل الحفاظ على المال العام من الهدر والتبذير والسرقات، عبر آلاف الأعذار والمبررات.

  خذ على ذلك أبسط الأمثلة ولنبدأها بأنفسنا مثلاً، حيث أغلبنا يستخدم هواتف العمل وربما سياراته وأقلامه وأوراقه وأجهزته وبقية أخرى من أدوات العمل، في إنجاز مهام ومصالح شخصية دون أدنى ورع وخشية، بل الخشية ممن ولماذا؟! أو هكذا لسان حالنا يردد في هكذا مواقف.
  الدين نستبعده ها هنا بشكل واضح ونجد المبررات الكثيرة، وقد يصل إلى حد أن يجيز الشخص لنفسه استخدام موارد وخصوصيات العمل على سبيل المثال في مصالح خاصة، فلا ورع ولا ضمير ولا أخلاق، بل كذلك لا قانون ينظم ويحاسب أو يراقب، وإن ظهر قانون ومعه من يراقب ويحاسب، اقتصر التطبيق على البعض دون الآخر، وهكذا حتى يظهر الهدر والتبذير تدريجياً وما بعده من سرقات وما شابه.
  من هنا، وحين نحث ونذكّر بمطالعة وقراءة سير الأولين، حكاماً وعلماء وساسة وغيرهم، فإنما من باب السعي للحصول على الإلهام والعظة والتجربة والفائدة للإنسان نفسه قبل غيره، وليس من باب الترف الفكري. وهكذا المفترض أن يكون نهج التعامل مع التاريخ ودروسه العديدة العجيبة.
   


   

ليست هناك تعليقات: