أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

لا موقع للخلود هنا !!


  الخلود .. الكلمة والمعنى ليس لهما وجود هاهنا في الحياة الدنيا. ذلك أن لكل بداية نهاية، وكل شيء إلى زوال، وما من شيء يبدأ حتى ينتهي ويتوقف.. أو هكذا هي قوانين الكون، حيث يبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام.. 


   هل نتحدث عن شيء جديد غير معروف لكم؟ بالطبع لا، فإن ما سبق من القول يعد من مسلمات أو حقائق الحياة، وجميعنا أدرك مبكراً تلك الحقائق ووعاها في أعماقه تماماً، فلماذا إذن نعيد ونكرر أمراً معروفاً لا جديد حوله؟ نكرر ونتكلم فيه لأنه مع كل ذلك الفهم والوعي والإدراك، نجد أنفسنا أحياناً في مواقف حياتية كثيرة متنوعة، وكأننا لم يسبق لنا معرفة وفهم تلك الحقائق أو لم نسمع بها من ذي قبل!! وإليك جملة أمثلة..

   تشتري نوعاً من الملابس أعجبك، فإذا به بعد فترة من الزمن يعتق ويبلى، فتشعر بشيء من الحسرة على ذلك من بعد أن أحببته، ووددت لو أنه بقي على حاله لأطول فترة ممكنة.. وتمضي في الحياة وتشتري سيارة جديدة، وإذ بعد سنوات عدة من الاستعمال تبدأ العيوب في الظهور والمشكلات لا تنقطع عنها إلى أن تمل منها فتتخلص منها بصورة أو أخرى، أو أن يقع حادث لك - لا قدر الله - فتصيب أضرار كبيرة السيارة، تخرج على إثرها من الخدمة فتشعر بالأسف على ذلك جداً جداً!! وبالمثل لو وقعت ساعة يد جميلة ثمينة من يدك فانكسرت، ولا مجال لإصلاحها، فإنه من المؤكد ستشعر بالندم على أنك لم تمسك بها جيداً.. وتحزن لنهايتها، وهكذا مع أمثلة حياتية متنوعة متكررة.


   إن كل شيء إلى زوال لا محالة، وهذه حقيقة، والمسألة ليست أكثر من مجرد وقت فقط. سيارتك الجديدة التي اشتريتها بالأمس، ستزول بشكل وآخر، فقد تظل معك سنوات طوالاً تعمل حتى تتوقف، أو تعمل لأيام عدة فقط، ثم إلى مصنع الحديد تذهب على شكل خردة لسبب أو آخر.. وأعقد الأمثلة  الإنسان نفسه منذ أن يولد ثم يشب ويقوى ليمر بمراحل الحياة المختلفة الى أن ينتهي في الوقت المحدد ..  الزوال كان النهاية أو حقيقة وقعت، وإن كل الاختلاف كان في الوقت ليس أكثر.. إذ ليس هناك فرق بين عشرين عاماً أو عشرين يوماً أو حتى ساعة، كلها عبارة عن وقت والاختلاف في طولها ليس إلا.. 


   إذن أمام تلك الحقائق والقوانين الكونية لا يجب أن نقف ونتساءل: لماذا ؟ بل علينا أن ندركها ونعيها، فنعمل وفق ذلك على استمرارية عجلة الحياة وبإيجابية أكثر، لأن الجلوس والبكاء على اللبن المسكوب كما يقولون هو مضيعة للوقت، ولا يعيد ما انتهى وانكسر وزال.. الساعة الثمينة مثلاً إن انكسرت بسبب سقوطها من يدك لسبب وآخر، فلا يجب أن يدفعك تحطمها إلى التوقف والبكاء عليها كثيراً واليأس من إيجاد غيرها، بل بدلاً من ذلك علينا أن نحذر مستقبلاً في تعاملنا مع مثل هذه الأشياء، كي نستفيد منها لأطول فترة ممكنة، مع بقاء حقيقة زوالها واردة أمام أعيننا على الدوام، فإذا ما حان وقت زوالها بصورة وأخرى، لا نجلس ونضيع الوقت في البكاء والنحيب والندم والحسرة.. 


   هذه حقيقة حياتية نلمسها في كل أمورنا، بدءاً من أبسطها على شكل حبة عنب مثلاً نأكلها فتنتهي الحبة إلى الأبد، وصولاً إلى أعقد الأمور الحياتية المتمثلة في الإنسان نفسه وزواله، بعد عمر طويل مديد أتمناه للجميع.

ليست هناك تعليقات: